عرض المقال
المولد وشربة الشيخ على
2013-06-14 الجمعه
أرجوك لا تصدق أى إعلان تليفزيونى عن دواء يقول لك إنه أعشاب تشفى الكبد أو تعالج العقم أو تغنيك عن الأنسولين أو أقراص السكر، وتقدم ببلاغ فورى ضد سماسرة الصحة وتجار الوهم لأنهم نصابون ودجالون ومجرمون فهم يقتلون بدم بارد، فلا يوجد ما يسمى دواء يشفى عضواً بحاله مثل الكبد، فالدواء يتعامل مع خلل معين وميكانيزم محدد ومرض بعينه وليس عضواً، والأعشاب تُستخلص منها مادة فعالة ولا تستخدم بعبلها وألفاتوكسناتها وسمومها، لا تصدق أى طبيب أو صيدلى، ولو كان أستاذاً يحمل أرفع الألقاب العلمية، إذا خرج عليك صحفى أو تليفزيونى وقال لك: أنا اخترعت دواء وما زال سراً ومخبّيه فى الدرج ولن أطلع عليه أحداً وباعمل أبحاثى لوحدى عليه فى عيادتى وأمريكا عايزاه وألمانيا بتطاردنى وبوركينا فاسو بتخطط لاختطافى... إلخ!!! كلام فارغ ونصب عالمى ودجل دولى وضحك على سذاجة الغلابة ونقص ثقافة المثقفين ومحدودية فهمهم العلمى وسيادة روح البيزنس على المنهج العلمى فى التفكير. لا يوجد بحث علمى اسمه بحث سرى، انتهى هذا المفهوم منذ دخول مفهوم الطب القائم على الدليل الذى يتبعه العالم كله من الإسكيمو حتى أدغال أفريقيا وأحراش أمريكا اللاتينية وأكواخ جزر واق الواق، ولا بد أن يكون منشوراً فى مجلة محكمة ويمر بكل الخطوات المعروفة والمقننة للبحث العلمى، فالمسألة مش جهجهون وسمك لبن تمر هندى وواحد يطلع يقول مش حاقول على أسرارى البحثية وأنا عندى دوا للسرطان اخترعته وبيحاربونى... إلى آخر هذا الهجص والهطل الذى يتم باسم العلم وهو منه براء، سأحكى لكم بعض معلومات ومفاهيم علم الصيدلة لكى تعرفوا يعنى إيه دواء وكيف يُعترف به وما هى خطوات هذا الاعتراف حتى لحظة الصناعة، لتعرفوا الفرق بين العلم والجهل وما بين التقدم والتخلف وما بين بشر يخافون على صحتهم وما بين آخرين يتاجرون بها:
لاستكشاف وتطوير دواء معين لا بد من إجراء عدة مراحل تستغرق فى مجملها ما يصل إلى 10 - 15 عاماً، وقد تتكلف ما يصل إلى نصف مليار إلى 3 مليار دولار.
هذه المراحل هى:
1- مرحلة التعرف على جزىء (Molecule) فى جسم الإنسان يمكنه التفاعل مع مركب كيميائى أو دواء مقترح مختار من بين عدة مركبات كيميائية ويبنى اختياره على معلومات علمية كثيفة اكتسبها مخترع الدواء.
2- مرحلة قبل سريرية يُجرى فيها العالم أبحاثاً مكثفة ومكررة على حيوانات تجارب لتحديد فاعلية الدواء وآثاره الجانبية على هذه الحيوانات. وهذه المرحلة قد تستغرق من 3 - 6 سنوات.
3- بعد إكمال المرحلة السابقة يتقدم العالم الباحث إلى مؤسسة قومية للسماح له بإجراء تجارب على الإنسان. ولو تحصّل على هذا التصديق يبدأ مرحلة التجارب السريرية والتى تتكون من المراحل التالية:
4- يجرب الدواء المقترح على 20 - 100 شخص من المتطوعين الأصحاء لتحديد درجة تحمل الإنسان لأثر الدواء فى الجسم، وتستغرق هذه المرحلة من 6 أشهر إلى سنة واحدة.
5- ثم يجرب الدواء المقترح على عينة أكبر من المتطوعين المرضى يبلغ حجمها 100 - 500 شخص لتحديد كفاءة الدواء والجرعة المناسبة التى تضمن التحسن أو الشفاء. وتستغرق هذه المرحلة حوالى سنة واحدة.
6- ثم يجرب الدواء على عينة أكبر من المتطوعين يبلغ حجمها 1000 - 5000 شخص لتحديد الآثار الجانبية للدواء على المدى الزمنى المتوسط. وتستغرق هذه المرحلة من 1 - 4 سنوات.
7- عرض نتائج هذه المراحل المذكورة على لجان علمية لتقرر ما إذا كانت الأبحاث تؤكد فاعلية وسلامة الدواء. وقد تستغرق هذه المرحلة أيضاً سنة أو أكثر.
8- المرحلة الأخيرة: تجربة الدواء بتجميع المعلومات عنه بعد تسويقه لرصد الآثار الجانبية بعيدة المدى، بالأخص بين كبار السن والنساء الحوامل. والمقال لا يتسع لسرد قائمة طويلة من الأدوية التى مرت بكل تلك التجارب وظلت تراقب بعد نزولها السوق وتم سحبها بسبب الوسوسة الطبية والعلمية المشروعة.
هذا باختصار هو الفرق بين شربة الشيخ على التى تباع فى سرادقات الموالد وبين البنسلين والأنسولين وكل الأدوية المحترمة التى أنتجتها بلاد تحترم نفسها ومواطنيها.